الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
ولما أصبح يوم الخميس خامس شهر ربيع الأخر عملت الخدمة السلطانية بالقصر السلطاني وطلع القضاة والأعيان وهنؤوه بالنصر والظفر وقد وقف على باب القصر جماعة من أمراء المؤيدية الرؤوس نوب مثل جانبك المحمودي وعلي باي العجمي وأمثالهما ومنعوا المماليك الأشرفية من الدخول إلى الخدمة السلطانية وصار كل واحد منهم يضرب المملوك من الأشرفية على رأسه وأكتافه بالعصي حتى يمنعه من الدخول هذا بعد أن يوسعه سبًا وتوبيخًا وقطع رواتب جماعة كثيرة منهم. ثم أمر السلطان القضاة فجلسوا بجامع القلعة بسبب قطع سلالم مآذن مدرسة السلطان حسن فحكم قاضي القضاة شمس الدين محمد بن البساطي المالكي بقطعها وألزم الناظر على المدرسة بقطعه السلالم المذكورة فقطعت في الحال. ثم أمر السلطان بالفحص عن قرقماس ونودي عليه بشوارع القاهرة وهدد من أخفاه فظفر به من الغد في يوم الجمعة سادس شهر ربيع الآخر. وكان من خبره أنه لما انهزم سار وحده إلى جهة الرصد وقيل معه واحد من حواشيه فأقام به نهاره ثم عاد من ليلته - وهي ليلة الخميس - إلى جهة الجزيرة ثم مضى منها إلى بستانه بالقرب من موردة الجبس وقد ضاقت عليه الدنيا بأسرها وكاد يهلك من الجوع والعطش. فلما رأى ما حل به بعث إلى الزيني عبد الباسط يعرفه بمكانه ويأخذ له أمانًا من السلطان. فركب عبد الباسط في الحال وطلع إلى السلطان في بكرة يوم الجمعة المذكور وعرفه بأمر قرقماس فندب السلطان ولده المقام الناصري محمدًا للنزول إليه فركب وسار في خدمته عبد الباسط حتى أتوا إلى موضع كان فيه قرقماس. حدثني المقام الناصري محمد المذكور قال: لما دخلت على قرقماس قام إلي وانحط يقبل قدمي فمنعته من ذلك فغلبني وقبل قدمي ثم يدي ثم شرع يتخضع إلي ويتضرع وقد علاه الذل والصغار ولم أر في عمري رجلًا ذل كذلته ولا جزع جزعه. وأخذت أسكن روعه وجعلت في عنقه منديل الأمان الذي أرسله والدي إليه. فقبل يدي ثانيًا ثم أراد الدخول تحت ذيلي فلم أمكنه من ذلك إجلالًا له. ثم خرجنا من ذلك المجلس وركبنا وأركبناه فرسًا من جنائبي ومضينا به إلى القلعة وهو في طول طريقه يبكي ويتضرع إلي بحيث إنه رق عليه قلبي. وكلما مررنا به على أحد من العامة شتمه ووبخه وأسمعه من المكروه ما لا مزيد عليه حتى لو مكنهم رجمه لرجموه. هذا ما حكاه المقام الناصري. ولما أن وصل قرقماس إلى القلعة وبلغ السلطان وصوله جلس على عادته. فحال ما مثل بين يديه خر على وجهه يقبل الأرض. ثم قام ومشى قليلًا ثم خر وقبل الأرض ثانيًا. هذا ووجهه كلون الزعفران من الصغار وشدة الخوف. فلما قرب من السلطان أراد أن يقبل رجله فمنعوه أرباب الوظائف من ذلك. ثم أخذ يتضرع فلم يطل السلطان وقوفه ووعده بخير على هينته. ثم أمر به فأخذ وأدخل إلى مكان بالحوش فقيد في الحال وهو يشكو الجوع وذكر أنه من يوم الوقعة ما استطعتم بطعام فأتي له بطعام فأكله وقد زال عنه تلك الأبهة والحشمة من عظم ما داخله من الخوف والذل ولهجت العامة تقول في الطرقات: " الفقر والإفلاس ولا ذلتك يا قرقماس ". قلت: وما أبلغ قول القائل في معناه: الوافر أرى الدنيا تقول بملء فيها حذار حذار توبيخي وفتكي ولا يغرركم مني ابتسام فقولي مضحك والفعل مبكي وأبلغ من هذا قول أبي نواس: الطويل إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق ولما أمسك قرقماس المذكور تم سرور السلطان وهدأ سره وأخذ في مسك جماعة من أعيان الأشرفية فأمسك في يوم واحد أزيد من ستين خاصكيًا من أعيان المماليك الأشرفية وحبس الجميع بالبرج من قلعة الجبل. ثم في يوم السبت سابع ربيع الآخر خلع السلطان على الأمير آقبغا التمرازي أمير سلاح باستقراره أتابك العساكر عوضًا عن قرقماس المقدم ذكره. وخلع على يشبك السودوني أمير مجلس باستقراره أمير سلاح عوضًا عن آقبغا التمرازي وعلى الأمير جرباش قاشق باستقراره أمير مجلس عوضًا عن يشبك المذكور. وفي هذا اليوم أيضًا انزل بالأمير قرقماس الشعباني المقدم ذكره مقيدًا من القلعة على بغل على العادة إلى الإسكندرية بعد أن سمع من العامة مكروهًا كثيرًا إلى الغاية كل ذلك لأنه كان لما ولي الحجوبية بالديار المصرية شدد على الناس وعاقب على المسكرات العقوبات الخارجة عن الحد فإنه كان في ظلم وجبروت فلما أن وقع له ما وقع صار من كان في نفسه شيء انتقم منه في هذا اليوم ويوم طلوعه فنعوذ بالله من زوال النعم. ثم في يوم الاثنين تاسعه قرىء عهد السلطان الملك الظاهر جقمق بالقصر السلطاني من قلعة الجبل وقد حضر الخليفة أمير المؤمنين أبو الفتح داؤد والقضاة الأربعة وتولى قراءته كاتب السر الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله وكان من إنشاء القاضي شرف الدين الأشقر نائب كاتب السر. ولما انتهى كاتب السر من قراءة العهد خلع السلطان على الخليفة والقضاة وعلى كاتب السر ونائبه شرف الدين المذكور وانفض الموكب. ثم في يوم السبت رابع عشر شهر ربيع الآخر أنعم السلطان على الأمير الأشرفي أحد مقدمي الألوف بإقطاع الأتابك آقبغا التمرازي بحكم انتقال على إقطاع الأتابك قرقماس الذي هو برسم من يكون أتابك العساكر وكان السلطان زاد قرقماس تقدمة أخرى زيادة على إقطاع الأتابكية يترضاه بذلك فلم السلطان بالزيادة على آقبغا بل أنعم بها على بعض الأمراء. وأنعم السلطان بتقدمة قراجا على الأمير ألطنبغا المرقبي المؤيدي الذي كان ولي حجوبية الحجاب الدولة المؤيدية وكان له مدة طويلة بطالًا ثم صار أمير عشرة. وأنعم السلطان مائة وتقدمة ألف على الأمير إينال الأبو بكري الأشرفي عوضًا عن قرقماس التقدمة التي كانت مع قرقماس زيادة على إقطاع الأتابكية المقدم ذكرها. بإقطاع إينال ووظيفته الدوادارية الثانية على الأمير أسنبغا الطياري الحاجب الثاني. وفيه حضر المقر الكمالي محمد بن البارزي من دمشق بطلب بعد أن تلقاه جميع أعيان الديار المصرية. وأصبح من الغد في يوم الثلاثاء سابع عشر ربيع المذكور خلع السلطان عليه باستقراره في كتابة السر الشريف بالديار المصرية عوضًا عن الصاحب بدر الدين بن نصر الله بحكم عزله وهذه ولاية كمال الدين المذكور لوظيفة كتابة السر ثالث مرة وهي أعظم ولاياته لأنه صار صهر السلطان وكاتب سره. وفي يوم الثلاثاء هذا خلع السلطان على الأمير أسنبغا الطياري بالدوادارية الثانية وخلع على الأمير يلبغا البهائي الظاهري أحد أمراء العشرات باستقراره حاجبًا ثانيًا عوضًا عن أسنبغا الطياري. ثم في يوم الخميس تاسع عشره خلع السلطان على الأمير إينال الأبوبكري الأشرفي باستقراره أمير حاج المحمل وأنعم عليه بعشرة آلاف دينار. هذا والقبض على المماليك الأشرفية مستمر في كل يوم وكل من قبض عليه منهم أخرج إقطاعه ووظيفته وحبس بالبرج من القلعة وقد عين السلطان جماعة منهم للنفي إلى الواحات. ثم في يوم الأربعاء خامس عشرينه أخرج السلطان جماعة كبيرة من المماليك الأشرفية من برج القلعة وأمر بنفيهم إلى الواحات فخرجوا من القاهرة من يومهم وكانوا عدة كبيرة. ثم في يوم السبت خامس جمادى الأولى رسم السلطان بالإفراج عن الأمير خشقدم الطواشي اليشبكي مقدم المماليك كان ونائبه فيروز الركني من سجن الإسكندرية ورسم لها بالتوجه إلى دمياط على حمل خمسة عشر ألف دينار. وفيه ورد كتاب الأمير حسين بن أحمد المدعو تغري برمش نائب حلب على السلطان يتضمن أنه مقيم على طاعة السلطان وأنه لبس التشريف المجهز له وقبل الأرض فلم يكترث الملك الظاهر بذلك وكتب ملطفات إلى أمراء حلب بالقبض عليه إن أمكنهم ذلك. ثم في ثامن جمادى الأولى استقر الشريف صخرة بن مقبل بن نخبار في إمرة الينبع عوضًا عن الشريف عقيل بن زبير بن نخبار. ثم في يوم الخميس عاشره استقر زين الدين يحيى ابن كاتب حلوان الأشقر المعروف بقريب ابن أبي الفرج ناظر الإسطبل السلطاني على مال بذله في ذلك بعد سعي كبير وخلع السلطان أيضًا على محمد الصغير معلم النشاب أحد ندماء السلطان باستقراره في نيابة دمياط بعد عزل الأمير أسنباي الزردكاش الظاهري. ثم في يوم الثلاثاء خامس عشر جمادى الأولى المذكور طلب السلطان الشيخ حسن العجمي أحد ندماء الملك الأشرف برسباي فلما مثل بين يديه تقدم الشيخ حسن ليقبل يد السلطان فضربه السلطان بيده على خده لطشة كاد أن يسقط منها إلى الأرض ثم أمر به فعري وضرب بالمقارع ضربًا مبرحًا وشهر بالقاهرة ثم سجن ببعض الحبوس وذلك لسوء سيرة حسن المذكور وقلة أدبه مع الأمراء في أيام الملك الأشرف برسباي. وكان أصل هذا حسن من أوباش الأعاجم المولدة من الجغتاي واتصل بالملك الأشرف بعد سلطنته بسنين ونادمه واختص به فنالته السعادة وعمر له الملك الأشرف زاوية بالصحراء بالقرب من تربة الملك الظاهر برقوق وأوقف عليها وقفًا جيدًا. وكان حسن المذكور في أيام أستاذه الملك الأشرف يدخل إلى أكابر الأمراء ويكلفهم ويأخذ منهم ما أراد من غير تحشم وعدم اكتراث بهم فكأنه طرق الملك الظاهر جقمق وفعل معه ذلك فأسرها الملك الظاهر له إلى وقتها مع ذنوب أخر حتى فعل معه ما فعل ثم نفاه إلى قوص فدام به إلى أن مات فيما أظن. ثم جهز السلطان الأمير سودون المحمدي وخلع عليه بنظر مكة المشرفة وندبه أيضًا لقتال عرب بلي وصحبته جماعة من المماليك السلطانية وعرب بلي هؤلاء هم الذين فعلوا بالحجاج ما فعلوه في موسم السنة الخالية. وندب بعده أيضًا الشهابي أحمد بن إينال اليوسفي أحد أمراء العشرات لإصلاح مناهل الحجاز وتقوية لسودون المحمدي. ثم خلع السلطان على الأمير أقبغا من مامش التركماني الناصري أحد أمراء العشرات ورأس نوبة باستقراره في نيابة الكرك بعد عزل الصاحب خليل بن شاهين الشيخي وانتقاله إلى أتابكية صفد. ثم في يوم الخميس أول شهر رجب أنفق السلطان في المماليك السلطانية نفقة الكسوة وكانت عادتهم أن يدفع لكل واحد منهم خمسمائة درهم من الفلوس فلما قرب أوان تفرقة الكسوة وقفوا في يوم الاثنين ثامن عشرين جمادى الآخرة وطلبوا أن ينفق فيهم عن ثمن الكسوة عشرة دنانير لكل واحد فما زالوا به حتى أنفق فيهم ألف درهم الواحد ولكل خاصكي ألفًا وخمسمائة. وفيه رسم السلطان بأن يكون نواب القاضي الشافعي خمسة عشر ونواب الحنفي عشرة ونواب المالكي والحنبلي أربعة أربعة ووقع ذلك أيامًا ثم عادوا إلى ما كانوا عليه. قتل قرقماس الشعباني الناصري المقدم ذكره ولما كان يوم الخميس ثامن شهر رجب جمع السلطان القضاة بالقصر بعد الخدمة السلطانية وادعى القاضي علاء الدين علي بن أقبرس أحد نواب الحكم لشافعية عند القاضي المالكي شمس الدين البساطي على الأمير قرقماس المذكور بأنه خرج عن الطاعة وحارب الله ورسوله وأن بقاءه بالسجن مفسدة وإثارة فتنة وأن في قتله مصلحة وشهد بخروجه عن الطاعة ومحاربته جماعة من أكابر الأمراء فحكم البساطي بموجب ذلك فقيل له: " ما موجبه " فقال: " القتل " انفض المجلس. فندب السلطان طوغان السيفي آقبردي المنقار أحد الخاصكية لقتله فسافر طوغان إلى الإسكندرية ودفع لنائبها ما على يده من المحضر المكتتب على قرقماس وحكم القاضي المالكي بقتله فأخرجه النائب من السجن فقرىء عليه حكم حدثني طوغان المذكور بعد عوده من الإسكندرية قال: لما وصلت إلى إسكندرية ودفعت إلى الأمير تمربابي التمربغاوي نائب الإسكندرية ما كان على يدي من المراسيم السلطانية وغيرها بقتل قرقماس فأمر به تمرباي فأخرج من سجنه بقيده يده إلى بين يدي النائب. فقام النائب وأجلسه مكانه وسأله في الأعذار فأعذر وقد امتلأ المجلس بالناس وصار النائب يستحي أن يأمره بالقيام حتى تكلم بعض من حضر بانفضاض المجلس وقد حضر المشاعلي والوالي وأقيم قرقماس وأخذ لتضرب رقبته فجزع جزعًا عظيمًا وشرع يقول لي: " يا أخي يا طوغان تضرب رقبتي في هذا الملأ " وكرر ذلك غير مرة. فقلت له: " يا خوند أنا عبد مأمور والشرع حكم بذلك ". فقدم واجلس على ركبتيه وأخرج المشاعلي سيفًا من غير قراب بل كان ملفوفًا بحاشية من حواشي الجوخ التي لا ينتفع بها فلما رأيت ذلك قلت للمشاعلي: " إيش هذا السيف الوحش ". قال: " لا بل هو سيف جيد ". ثم أخذ المشاعلي السيف المذكور وضرب به رقبة قرقماس فقطعت من رقبته مقدار نصف قيراط لا غير وعند وقوع الضربة في رقبة قرقماس صاح صيحة واحدة مات فيها من عظم الوهم. ثم ضربه المشاعلي أخرى ثم ثالثة وفي الثالثة حزها حزًا حتى تخلصت. كل ذلك وقرقماس لا يتكلم ولا يتحرك سوى الصيحة الأولى فعلمت بذلك أنه مات في الضربة الأولى من عظم ما داخله من الوهم وكان ذلك في يوم الاثنين ثاني عشر شهر رجب من سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة. ومات قرقماس وسنه نيف على الخمسين سنة تخمينًا ويأتي بقية أحواله عند ذكر الوفيات من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. تم في يوم الاثنين ثاني عشر شهر رجب خلع السلطان على الأمير يلبغا البهائي الظاهري برقوق أحد أمراء الطبلخانات وثاني حاجب باستقراره في نيابة الإسكندرية عوضًا عن الأمير تمرباي التمربغاوي بحكم عزله. ثم ندب السلطان الأمير يشبك السودوني الأمير سلاح لسفر الصعيد وعين معه عدة كبيرة من المماليك الأشرفية نجدة لمن تقدم قبله لقتال عرب الصعيد وخرج في يوم الاثنين ثاني شهر رمضان بمن معه من المماليك الأشرفية. ثم في يوم الاثنين تاسع شهر رمضان قدم الأمير الطواشي خشقدم اليشبكي ونائبه فيروز الركني الرومي من ثغر دمياط وأمرهما السلطان بالتوجه إلى المدينة النبوية صحبة ركب الحاج ليقيما بها. ثم في يوم الأربعاء حادي عشر شهر رمضان المذكور ورد على السلطان كتاب الأمير قاني باي الحمزاوي نائب حماة يتضمن ورود الأمير بردبك العجمي الجكمي حاجب الحجاب بحلب عليه وصحبته من أمراء حلب أميران بعد هزيمتهم من الأمير تغري برمش نائب حلب بعد خروجه عن طاعة السلطان وعصيانه. وكان أشيع خبر عصيانه إشاعات فلما ورد هذا الخبر تحقق كل أحد صحة ما أشيع. وكان من خبر عصيانه أن تغري برمش المذكور كان له من يوم مات الملك الأشرف برسباي أخذ في أسباب الخروج واحترز على نفسه في عوده صحبة العساكر إلى حلب غاية الاحتراز حتى إنه لم يدخل حلب إلا بعد خروج العساكر المصرية منها بعد أيام. ولما دخل حلب شرع في تدبير أمره والنظر في ما يفعله لنفسه. ولم يكن له غرض في طلب الملك لمعرفته أن القوم لا يرضونه لذلك غير أنه يعلم أنهم لا يدعونه في نيابة حلب إن أمكنهم ذلك لكونه تركمانيًا غير الجنس. وتحقق هذا فأخذ في عمل مصلحة نفسه واستدعى أمراء التركمان للقيام معه فأجابه جماعة كبيرة وانضم عليه خلائق. وكان تغري برمش من رجال الدهر عارفًا بتدبير أموره جيد التصرف وعنده عقل ومكر وحدس صائب وتدبير جيد وهمة عالية على أنه كان لا يعرف المسألة الواحدة في دين الله مع جمودة في مجالسته وخشونة ألفاظ تظهر منه كما هي عادة أوباش التركمان وجميع جهده ومعرفته كانت في أمور دنياه لا غير مع جبن وبخل إلا في مستحقه. فلما استفحل أمره بمن وافقه من أمراء التركمان في الباطن وبكثرة مماليكه وخدمه مع ما كان حصله من الأموال وبلغه مع ذلك أن الملطفات السلطانية وردت على أمراء حلب في القبض عليه رأى أنه يظهر ما استكتمه من الخروج عن الطاعة ويملك حلب وأعمالها طول عمره لما دبره أنه إذا غلب عليها وكثرت عساكره بها يحصنها ويقيم بها فإن جاءه عسكر هو قبيله قاتله وإن كانت الأخرى انهزم أمامه بعد تحصين قلعتها وتوجه إلى جهة بلاد التركمان إلى أن يعود عنها من أتاها من العساكر ولم يبق بها إلا من استنيب بها وقدمها تغري برمش وملكها منه كما كان يفعله شيخ ونوروز مع الملك الناصر فرج بن برقوق مع أن تغري برمش هذا كان أرسخ منهما قدمًا بتلك البلاد لكونه كان تركمانيًا وله أموال جمة وأكثر دهاء ومكرًا وإن كان شيخ ونوروز أعظم في النفوس وأشجع فليس هذا محل شجاعة وعظمة وإنما هو محل تشويش وتنكيد. وتأييد ما قلته أن الملك الظاهر جقمق قلق لعصيان تغري برمش هذا أكثر من عصيان الأمير إينال الجكمي نائب الشام الآتي ذكره. وأرسل الملك الظاهر خلفي وكلمني في المحضر المكتتب في حق تغري برمش هذا قديمًا من قتله لبعض مماليك الوالد لما كان تغري برمش المذكور بخدمة الوالد على ما سيأتي بيانه في ذكر وفيات هذا الكتاب إن شاء الله تعالى وكلمني الملك الظاهر في أمر تغري برمش بسبب المحضر وغيره فلحظت منه ما ذكرته من تخوفه من طول أمر تغري برمش المذكور معه - انتهى. وكان أول ما بدأ به تغري برمش أنه أخذ يستميل الأمير حطط نائب قلعة حلب فلم يتم له ذلك. فأخذ يدبر على أخذ القلعة بالحيل فأحس حطط وكلم أمراء حلب بسببه واتفقوا على قتاله وبادروه وركبوا عليه بعد أمور وقعت يطول شرحها. ورمى عليه حطط من أعلى قلعة حلب وركب الأمير بردبك العجمي الجكمي حاجب حلب والأمير قطج من تمراز أتابك حلب وجماعة أمراء حلب وعساكرها وواقعوه فصدمهم بمماليكه صدمة بدد شملهم فيها وانهزموا وتشتتوا. فتوجه قطج إلى جهة البيرة فيما أظن وتوجه بردبك العجمي ومعه أيضًا جماعة إلى حماة وكانت الوقعة في ليلة الجمعة ثامن عشرين شعبان ودخل بردبك حماة في آخر يوم السبت سلخ شعبان. هذا ما كان من أمر تغري برمش ويأتي بيان أمر هذه الوقعة في كتاب تغري برمش المذكور إلى السلطان فيما بعد. وأما ما كان من أمر السلطان فإنه لما بلغه خبر عصيانه طلب الأمراء وعمل معهم مشورة بسببه فوقع الاتفاق بعزله عن نيابة حلب وتولية غيره ثم ينتظر السلطان بعد ذلك ما يرد عليه من الأخبار من البلاد الشامية لما كان أشيع بالقاهرة أن الأمير إينال الجكمي هو الذي أشار لتغري برمش المذكور بالخروج عن الطاعة وأنه موافقه في الباطن فلذلك لم يعين السلطان أحدًا من العساكر المصرية ولا نواب البلاد الشامية لقتال تغري برمش. فلما كان يوم الخميس ثاني عشر شهر رمضان المذكور كتب السلطان بنقل الأمير جلبان أمير آخور نائب طرابلس إلى نيابة حلب عوضًا عن تغري برمش المذكور وأن يستقر الأمير قاني باي الحمزاوي نائب حماة المقدم ذكره في نيابة طرابلس عوضًا عن جلبان وأن يستقر بردبك العجمي الجكمي حاجب حجاب حلب المقدم ذكره في نيابة حماة عوضًا عن قاني باي الحمزاوي. وتوجه الأمير علي باي العجمي المؤيدي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بتقليد جلبان وتشريفه بنيابة حلب وتقليد بردبك العجمي بنيابة حماة وبردبك المذكور هو خال علي باي المتوجه وجالبه وبه يعرف بالعجمي على شهرة خاله المذكور. وتوجه الأمير جانبك المحمودي المؤيدي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بتقليد الأمير قاني باي الحمزاوي وتشريفه بنيابة طرابلس وعلي باي وجانبك هما يوم ذاك عقد المملكة وحلها. وبقي السلطان في قلق بسبب إينال الجكمي نائب الشام لكونه أشيع أن سودون أخا إينال الجكمي منذ قدم من عند إينال إلى القاهرة يستميل الناس إليه. وكان السلطان لما تسلطن أرسل سودون المذكور إلى جميع نواب البلاد الشامية - وكانت العادة جرت أنه يتوجه لكل نائب أمير يبشره بجلوس السلطان على تخت الملك - كل ذلك مراعاة لخاطر أخيه إينال الجكمي. وكان السلطان أيضًا أرسل إلى إينال المذكور بخلعة ثانية مع الأمير ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن منجك باستمراره على نيابة دمشق. فلما كان يوم الاثنين سادس عشر شهر رمضان ورد الخبر على السلطان من الأمير طوخ مازي الناصري نائب غزة بأن الأمير ناصر الدين محمد بن منجك المقدم ذكره لما وصل من عند السلطان بما على يده من الخلعة إلى جسر يعقوب بعث إليه إينال الجكمي ساعيًا يستحثه على سرعة القدوم إلى دمشق ثم أردفه بآخر حتى قدم ابن منجك إلى دمشق في يوم السبت سابع شهر رمضان المذكور وخرج إينال إلى لقائه ولبس التشريف السلطاني المجهز إليه على يد ابن منجك وقبل الأرض وركب الفرس المحضر معه أيضًا ودخل إلى دمشق في موكب جليل ونزل بدار السعادة فاطمأن أهل دمشق بذلك فإنه كان قد أشيع أيضًا بدمشق بعصيان نائبها المذكور. فلما كان يوم الاثنين تاسعه ركب الأمير إينال الجكمي الموكب على العادة ودخل إلى دار السعادة وجميع أمراء دمشق وسائر المباشرين بين يديه وقد اطمأن كل أحد بأن ملك الأمراء مستمر على الطاعة. فما هو إلا أن استقر في مجلسه أشار بالقبض على أعيان أمراء دمشق فأغلق الباب وقبض على جميع الأمراء والمباشرين وكان القائم في قبض الأمراء الأمير قاني باي الأبوبكري الناصري أتابك دمشق وقانصوه النوروزي أحد مقدمي دمشق. والمقبوض عليهم أجلهم: الأمير برسباي الحاجب وعدة كبيرة أخر يأتي ذكرهم. قال: وإن علي باي العجمي وجانبك المحمودي المتوجهين بتقليد نائب حلب وطرابلس وصلا إلى غزة وأقاما بها. فلما سمع السلطان هذا الخبر اضطرب وتشوش غاية التشويش لأنه كان عليه أدهى وأمر. وجمع الأمراء واستشارهم في أمر إينال وتغري برمش فأشاروا الجميع بسفره. وتذكر السلطان قول آقبغا التمرازي لما أشار عليه قبل سلطنته أن يتوجه إلى البلاد الشامية ثم يتسلطن فلم تفده التذكرة الآن. وانفض الموكب على أن السلطان يسافر لقتال المذكورين. ثم في يوم الأربعاء ورد الخبر على السلطان أن الأمير قطج أتابك حلب وصل أيضًا إلى حماة وأن تغري برمش أخذ مدينة عين تاب وقلعتها وأن عدة من قبض عليه الأمير إينال الجكمي من أمراء دمشق تسعة عشر أميرًا وأنه قبض أيضًا على جمال الدين يوسف بن الصفي الكركي ناظر جيش دمشق وعلى القاضي بهاء الدين محمد بن حجي كاتب سر دمشق وأن علي باي وجانبك المحمودي توجها من غزة إلى الأمير إينال الناصري العلائي نائب صفد. ثم في يوم الخميس عشرينه ورد على السلطان كتاب الأمير تغري برمش نائب حلب مؤرخًا بثاني شهر رمضان يتضمن أنه في يوم الثالث والعشرين من شعبان لبس الأمير حطط نائب القلعة ومن معه بالقلعة السلاح وقاموا على سور القلعة ونصبوا المكاحل وغيرها وأمروا من تحت القلعة من أرباب المعايش وسكان الحوانيت بالنقلة من هناك وأنه لما رأى ذلك بعث يسأل حطط عن سبب هذا فلم يجبه. إلى أن كان ليلة التاسع والعشرين منه ركب الأمير قطج أتابك العساكر والأمير بردبك الحاجب في عدة أمراء لابسين السلاح ووقفوا تحت القلعة فبعث إليهم جماعة من عسكره فكانت بين الفريقين وقعة هائلة انهزم فيها قطج وأنه باق على طاعة السلطان وأنه بعث يسأل حطط ثانيًا عن سبب هذه الحركة فأجاب بأن الأمير بردبك الحاجب ورد عليه مرسوم السلطان بالركوب عليك وأخذك. وجهز تغري برمش أيضًا محضرًا ثانيًا على قضاة حلب بمعنى ما ذكره وأنه باق على طاعة السلطان وأنه لم يتعرض إلى القلعة فلم يعول السلطان على كتابه ولا على ما ذكره لما سبق عنده من خروجه عن الطاعة - انتهى ما تضمنه كتاب تغري برمش. ثم ورد على السلطان كتاب الأمير فارس نائب قلعة دمشق بأن الأمير إينال الجكمي أمر فنودي بدمشق بالأمان والاطمئنان والدعاء للسلطان الملك العزيز يوسف وأن القاضي تقي الدين بن قاضي شهبة قاضي قضاة دمشق دعا للملك العزيز على منبر جامع بني أمية في يوم الجمعة وأن الخطبة بقلعة دمشق باقية باسم السلطان الملك الظاهر جقمق كل ذلك والسلطان قد اتفق ثم في يوم السبت حادي عشرين شهر رمضان استقر القاضي بدر الدين محمد ابن قاضي القضاة ناصر الدين أحمد التنسي أحد خلفاء الحكم المالكية قاصي قضاة الديار المصرية بعد موت العلامة شمس الدين محمد بن أحمد البساطي. ثم أصبح السلطان من الغد في يوم الأحد ابتدأ بعرض المماليك السلطانية وعين من الخاصكية ثلاثمائة وعشرين خاصكيًا لسفر الشام مع من يأتي ذكره من أمراء الألوف وغيرهم. ثم في يوم الاثنين ثالث عشرينه خلع السلطان على الأمير الكبير آقبغا التمرازي باستقراره في نيابة دمشق عوضًا عن إينال الجكمي بحكم عصيانه على كره منه وتمنع كبير. ثم في يوم الثلاثاء أيضًا عرض السلطان الخاصكية وعين منهم للسفر ثلاثمائة وثلاثين خاصكيًا لتتمة ستمائة وستين خاصكيًا ثم نقص منهم خمسة بعد أيام. ثم في يوم الأربعاء خامس عشرينه عين السلطان للسفر من أمراء الألوف: قراخجا الحسني رأس نوبة النوب وتمرباي السيفي تفربغا المشطوب ومن أمراء الطبلخانات: الأمير طوخ من تمراز الناصري رأس نوبة ثاني وهو مسفر الأتابك آقبغا التمرازي ومن أمراء العشرات عشرة وهم: أقطوه الموساوي وقد صار أمير طبلخاناه وتنم من عبد الرازق المؤيدي محتسب القاهرة ورأس نوبة ثم أعفي بعد ذلك ويشبك من أزوباي الناصري رأس نوبة وبايزير من صفر خجا الأشرفي رأس نوبة وآقبردي الأشرفي أمير آخور ثالث وقيز طوغان العلائي وسودون الإينالي المؤيدي المعروف بقراقاس رأس نوبة وسودون العجمي النوروزي رأس نوبة وسودون النوروزي السلاح دار رأس نوبة وجانبك النوروزي رأس نوبة وخشكلدي الناصري البهلوان. ثم ورد الخبر على السلطان من الأمير طوغان العثماني نائب القدس بأن إينال الجكمي أطلق الأمراء الذين قبض عليهم قبل تاريخه وحلفهم للملك العزيز يوسف وذلك بشفاعة قاني باي الناصري البهلوان أتابك دمشق. فحزر أهل المعرفة أن أمر إينال الجكمي لا يتم لتضييعه الحزم فيما فعل من الإفراج عن الأمراء بعد أن تأكدت الوحشة بينهم ومع ما كان بينه وبين الأمير برسباي الحاجب من حضوض الأنفس قديمًا. ونفرت القلوب بذلك عن إينال الجكمي وأول من نفر عنه تغري برمش نائب حلب وقال في نفسه عن إينال المذكور: " هذا في الحقيقة ليس بخارج عن الطاعة وإنما قصد بالإشاعة عنه أنه عاص حتى أقدم عليه ويقبض علي تقربًا لخاطر السلطان ". وهو معذور في ذلك فإن مثل هؤلاء ما كان يفرج عنهم بشفاعة ولا لشفقة عليهم وقد قصد ما قصد ولله در المتنبي في قوله: الكامل لا يخدعنك من عدوك دمعه وارحم شبابك من عدو ترحم لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم ومن يومئذ أخذ أمر إينال الجكمي في الاضمحلال قليلًا واستخف كل أحد عقله وتعجب من سوء تدبيره وكاد أخوه سودون العجمي أن يموت قهرًا لما بلغه عن أخيه إينال ذلك وهو يوم ذاك من جملة أمراء العشرات بالديار المصرية. ثم ورد الخبر على السلطان بأن الأمير إينال العلائي الناصري نائب صفد خرج منها وسار حتى نزل بالرملة في سابع عشر شهر رمضان بعدما أرسل إليه إينال الجكمي يدعوه لموافقته وأعلمه أيضًا أنه ما قام في هذا الأمر إلا وقد وافقه نواب المماليك وأركان الدولة وعظماء أمراء مصر فلم يلتفت إينال العلائي لكلامه ثم خشي أن يكبس بصفد فخرج منها بعد أن جعل حريمه بقلعة صفد وسار حتى نزل الرملة فسر السلطان بذلك وكتب إليه بالثناء والشكر ثم في يوم الخميس سابع عشرين شهر رمضان المذكور أنفق السلطان في العسكر المجرد إلى الشأم - وعدتهم ما بين خاصكي ومملوك: ستمائة واثنان وخمسون نفرًا - كل واحد ثمانين دينارًا. ثم قدم الخبر بأن الأمير جلبان المستقر في نيابة حلب وصل إلى الرملة في يوم الاثنين ثالث عشرين شهر رمضان فارًا من تغري برمش نائب حلب. وكان من خبر تغري برمش نائب حلب أنه لما قوي أمره وبلغه عصيان إينال الجكمي أيضًا عظم أمره واستدعى التركمان إلى حلب فقدم عليه منهم جماعة كبيرة إلى الغاية ثم عمل مكحلة عظيمة من نحاس ليرمي بها على قلعة حلب. وأخذ مع هذا كله يستميل جماعة من أهل قلعة حلب فمالوا له في الباطن وواعدوه على تسليم القلعة له وهو مع ذلك مستمر في حصار القلعة المذكورة والنقب في جدر القلعة عمال والقتال بينه وبينهم في كل يوم يزداد إلى أن بلغ الأمير حطط نائب قلعة حلب عمن وافق تغري برمش المذكور من أهل القلعة فقبض على الجميع وأخذ بعضهم وجعله في المنجنيق ورمى به على تغري برمش ثم قتل جماعة منهم وجعل رؤوسهم على سور قلعة حلب. فلم يكترث تغري برمش بذلك واستمر على ما هو عليه من حصار القلعة حتى أشرف على أخذها فخوفه بعض أصحابه من وثوب أهل مدينة حلب عليه وأشاروا عليه بأن ينادي لهم بالأمان فأمر بذلك. وكان
فلما نودي بالأمان تحققوا ما كان قيل من نهب حلب وألقى الله في نفوسهم أن يركبوا عليه ويقاتلوه قبل أن يأمر بنهبهم. فثارت العامة وأهل حلب بأجمعهم بقسيهم وسلاحهم على حين غفلة وساروا يدًا واحدة واحتاطوا بدار السعادة وبه النائب تغري برمش وقد تقدم أن تغري برمش المذكور كان جبانًا غير ثابت في الحروب ضعيف القلب عند ملاقاة العدو وليس فيه سوى جودة التدبير وحسن السياسة بحسب الحال. وبالنسبة لأمثاله من الجهلة فعندما بلغه وثوب أهل حلب عليه لم يثبت وذهب فارًا يريد الخروج من المدينة وسار حتى وقف خارج السور في نحو الأربعين فارسًا تخمينًا وقد نهبت العامة جميع ما كان له بدار السعادة من الخيول والأموال والسلاح وامتدت أيديهم إلى مماليك تغري برمش وأتباعه يقتلونهم وينهبونهم. وكان له المماليك الكثيرة المتجملة في لبسهم وسلاحهم غير أنهم كانوا على مذهب أستاذهم في الجبن والخور وعدم الثبات في القتال ولم يظهر لأحد منهم نتيجة في هذا اليوم ولا في يوم مصاففته للعسكر المصري بل هرب غالبهم وجاء إلى العساكر المصرية قبل وقوع القتال وتركوا أستاذهم في مثل ذلك اليوم مع عظم إحسانه لهم وتخولهم في النعم. وكانت هذه الوقعة في يوم الثلاثاء عاشر شهر رمضان بعدما كان تغري برمش حاصر القلعة ثلاثة عشر يومًا. وتلاحق عدة من أصحاب تغري برمش ومماليكه به ولم يجد له قوة للعود إلى حلب لقتال أهلها فسار بمن معه يريد طرابلس وانضم إليه الأمير طرعلي بن صقل سيز التركماني بأصحابه. فلما قارب طرابلس لم يثبت الأمير جلبان وانهزم من طرابلس في العاجل إلى نحو الرملة حتى قدمها وانضم على من كان بالرملة من النواب وغيرهم. وكان جلبان أيضًا من مقولة تغري برمش في القتال غير أن أمره كان في ستر لأمور لا تخفى على أحد. فدقت البشائر لذلك وسر السلطان بهذا الخبر وتعجب الناس من نكبة تغري برمش المذكور مع قوة أمره وكثرة جموعه. ولما وصل جلبان إلى الرملة واجتمع بالأمير إينال العلائي نائب صفد والأمير طوخ مازي نائب غزة والأمير طوغان العثماني نائب القدس اتفقوا على مكاتبة السلطان فكتبوا له يستدعونه للسير بنفسه بعد تجهيز العساكر بين يديه سريعًا. وكان قدم بهذا الخبر صرغتمش السيفي تغري بردي أحد مماليك الوالد وهو يوم ذاك دوادار الأمير جلبان فخلع عليه السلطان في يوم الأحد تاسع عشرينه باستقراره دوادار السلطان بحلب عوضًا عن سودون النوروزي بحكم انتقاله إلى حجوبية حلب بعد بردبك العجمي المنتقل إلى نيابة حماة.
|